بســم الله الرحمــن الرحيــم فتح ذي المنة برجحان السدل من السنةوالمؤلف هو سليل العترة النبوية والدوحة المصطفوية العلامة محمد المحفوظ بن محمد الأمين التنواجيوي الشنقيطي الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،
فقد سألني بعض الأخوان المتمسكين بالسنة على منهاج سلف الأمة عن حكم القبض في الصلاة الذي روي عن الإمام مالك كراهيته في الفرض، وقد شذّ رجال من أتباع المذهب المالكي فادعوا ندبه، مخالفةً منهم لما عليه جمهور علماء المذهب قديماً وحديثاً، وقد كنت أجبته بجواب قديم معضد فيه الفرع بالأصل على صحة ما نقل فيه من الكراهة ولكنه مختصر، وقد يظن أنه لم يحصر جوانب المسألة، وبعد ذلك وجدت عدة تآليف من علماء المذهب المالكي المهرة في علم الحديث وقد حصروا الأدلة التي يتذرع بها القائلون بالندب من علماء المذهب وبينوا ضعف جميعها، مع كثرتها ومع ثبوت الوقوع من دلالة مجموعها على وجه لم يصل درجة الصحة، ولكنهم بينوا نسخ حكم القبض وأوضحوا الأصل الذي بني عليه من سلوكه صلى الله عليه وسلم وأوضحوا رجحان السدل من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ومن الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.
وسوف أحاول في هذه النبذة أن ألخص ما نشره أولئك الأجلاء وأرتبه ترتيباً يقرب فهمه للمبتدئين من طلبة الفقه في بلاد المغرب التي تتبع الشعوب فيها مذهب الإمام مالك، وليفهم ضعفاءالمعرفة من أبناء هذه البلاد الذين جرفتهم دعاية القول بصحة الاجتهاد من العوام وإمكان استنباطهم من الكتاب والسنة للأحكام مع جهلهم المركب تركيباً تاماً ملبساً على أصحابه تلبيساً لا يزول إلا باستكمال معرفة علوم الشرع الاثني عشرة وع علوم الشريعة الثلاثة ليفهم هؤلاء صحة علم الأقدمين.
وسنرتب هذه النبذة بحول الله على مقدمة وبابين وخاتمة، أما المقدمة فسنتناول فيها الدواعي التي دعت النبي صلى الله عليه وسلم لفعل القبض - على افتراض ثبوته عنه - وهي الموافقة لأهل الكتاب فيه وأدلة ذلك، والباب الأول سنتناول فيه أدلة السدل من الأحاديث النبوية والآثار، والباب الثاني سنتناول فيه حصر أدلة القبض لليدين من السنة مع ما قيل في كل دليل منها من الضعف عند علماء السلف، أما الخاتمة فستكون إعطاء رأي شامل واضح حول ما تقدم من المسائل، والله المعين على الصواب.
مــقــدمــة
يقول علماء الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه
فيه شيء، وذلك قبل انتشار الإسلام ويرجع عن موافقتهم فيه بعد اتساع نشر الإسلام.
لقد نقل العلامة محمد الخضر بن ما يابا في كتابه (إبرام النقض) أن البخاري ومسلماً وأبا داود
والترمذي والنسائي وابن ماجه قد أخرجوا جميعاً كونه صلى الله عليه وسلم كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء، وبعد انتشار الإسلام يترك ذلك، وذلك لكون أهل الكتاب كانوا على شيء أولاً، أما المجوس فليسوا على شيء، ولعل فعله كان لحكمة يعلمها هو، ومن المسائل التي روي عنه ذلك فيها مسألة عدم فرْق شعر الناصية ثم فرق شعره أخيراً، ومنها على رأي بعض العلماء مسألتنا هذه، وشهد لكونها من ذلك ما نقله ابن أبي شيبة المعروف من علماء الحديث بكثرة مؤلفاته فيه وجمعه في مساند ومصنفات، فقد نقل ابن أبي شيبة عن ابن سيرين - التابعي الشهير - أنه سئل عن الرجل يمسك يمينه بشماله في الصلاة فقال: إنما ذلك من أجل الروم. أهـ.
ونقل عن الحسن البصري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كأني أنظر إلى أحبار بني
إسرائيل واضعي أيمانهم على شمائلهم في الصلاة) وتابع الحسن البصري في هذا الحديث أبو مجلز وأبو عثمان النهدي وأبو الجوزاء وكلهم من أكبر علماء التابعين.
وكون القبض كان من عمل أحبار اليهود ومن عمل الروم المسيحيين كما ذكر في الآثار السابقة، يشهد له كذلك ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم من قوله (إنما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت، ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة) الحديث بالمعنى، ومثله ما أخرجه البيهقي والدار قطني عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (ثلاث من النبوة، تعجيل الإفطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على الشمال) ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد فترة من حياته في المدينة عن اتباع أهل الكتاب والأخذ منهم، وغضب على عمر بن الخطاب عندما جاء بصحيفة فيها شيء من مواعظ أهل الكتاب وأحكامهم، وقال إن موسى عليه السلام لو كان حياً لاتبعه، وإذا ثبت عن الصحاح الستة أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب أولاً موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه شيء فيه وثبت كون القبض من عمل أهل الكتاب فهذا مما يوضح سبب فعله صلى الله عليه وسلم له وسبب ثبوت تركه له كما يأتي.
الباب الأول
في بعض أدلة السنة لسدل اليدين للاطلاع على الموضوع يمكنكم تحميل الملف كاملا من خلال هذا الرابطhttp://www.4shared.com/file/162222743/f7451426/______.html