سلوكيات المواطَنة الصالحة شيء جميل أن نعيش في وطن مثل وطننا وهذا لما تنعم به بلادنا من خيرات ونعم في مقدمتها الأمن والاستقرار الذي حرم منه الكثيرون في ظل ما يمر به العالم من
حولنا من حوادث ومتغيرات متلاحقة والدولة تسعى جاهدة للحفاظ على مقدرات
ومكتسبات هذا الوطن الغالي، ولا شك أن المواطن والمقيم يدرك نعمة الأمن التي لا ينكرها إلا جاحد أو حاسد، ونرى الكل يتسابق للكتابة ونظم القصائد في التغني والافتخار بحب الوطن بمشاعر وطنية رائعة، فمن ذا الذي لا يعشق ويفخر بوطن
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة ** وقومي وإن ضنوا عليّ كرام
ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نعتبر أن الإشادة وإبراز مشاعر الفخر والاعتزاز هيبمثابة ترجمة حقيقية وكاملة لمفهوم المواطنة وتطبيقاتها؟ وهل أن التغنيبها يعد كافياً للحفاظ على هذه النعم؟ قال أحد الشعراء الروس ( نيكراسوف ):
" لست ملزماً بأن تكون شاعراً صالحاً، لكنك ملزم بأن تكون مواطناً صالحاً " الوطنية (روح) و(فكر) و(انتماء) و(ممارسة)، الوطنية هي حبّالوطن
و(المواطنة) هي غير (المواطنة الصالحة) ،
الأولى جنسيّة ،
والثانية انتماء حضاري.
المواطنة الصالحة.. خدمة الصالح العام، لاالاقتصار على خدمة الذات والفئة أو الطائفة أوالعشيرة.
ومن جهة أخرى فإن التغني بالوطنية لا يعد كافياً للحفاظ على خيرات البلاد بدون أن ننظر لحجم المشاركة الفعلية للمواطن من خلال ما يقدمه لدينه ووطنه وقيادته والمشاركة الفاعلة في مسيرة التنمية والإخلاص والتفاني في العمل والتصدي لكل ما يضر بمجتمعنا وقيمنا ومقدرات بلادنا أو يهدد أمن واستقرار الوطن.
ونقول أنه لا يكفي أن تكون لدينا حكومة وطنيةوسيادة كاملة على أرضنا من غير (مواطن صالح) يعينحكومته على انجاز مهامها وتنفيذ مشاريعها وتحقيقبرنامجها السياسي، أو يحافظ على سيادة وطنه
و
الحكم الراشد هو الحل لكافة المشاكل التي يمكن أن تعاني منها أية دولة،والحقيقة أن الحكم الراشد مطلب جميع الشعوب منذ القدم لأن من انعكاساته:
العدالة و
الأمن و
الحرية و
الاستقرار ..
لكن يجب أن نعلم جيدا أنّ الحكم الراشد يأتي نتيجة بينما نحن نريد جعله مقدمة، فلو تصورنا هرما لكان الحكم الراشد هو قمة الهرم، ومعلوم أن في بناء أي هرم نبدأ بالأساسوالقاعدة ثم تأتي القمة كتتويج للبناء وبالتالي قبل الوصول إلى الحكم الراشد والذي هو قمة الهرم لا بد من المرور أولا عن طريق القاعدة التي هي
المجتمع الراشد والمواطن الصالح ،فان كان المجتمع راشدا يكون الحكم راشدا ولا بأس بذكر أمثلة توضيحية من تاريخنا المجيد. ففي ظل الخلافة الراشدة في زمن الخليفة عمر بن الخطاب وفي إحدى خطبه حين طلب من الرعية إن رأوا فيه اعوجاجا أن يقوموه نطق أحد الحضور قائلا: "
والله لورأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف".
ولقد
لعبت الزوايا والطرق الصوفية دورا كبيرا في ترسيخ هذه المفاهيم القيمة،من
خلال ترسيخها عمليا، فإذا ما رجعنا إلى الوراء قليلا فسنجد أن الطرق
الصوفية ورجال الزوايا دوما في مقدمة الرجال الذين أعلنوا الحرب ضد
المستعمر ، حيث نجد : الأمير عبد القادر الجزائري ، ونجد الشيخ الحداد ،
ونجد الشيخ بوعمامة ، ولالة فاطمة انسومر ..وغيرهم كثير
ويقول الأستاذ " محمد قناش " في كتابه
المواقف السياسية بين الإصلاح والوطنية(..وفي
إطار المحافظة على الشخصية الاسلامية تأسست جمعية العلماء بمبادرة من تاجر
كبير يسمى" إسماعيل" سنة 1931 وضمت رجال الطرق والإصلاح..)
إن رجال الزوايا من خلال نشاطاتهم المتنوعة يساهمون بشكل كبير في الحفاظ على الإرث الثقافي والحضاري لهذا البلد ، وكذا على مجموعة النظم والقيم والنماذج الثقافية القومية.
أما عن النشاطات التي يقوم بها رجال الزوايا فمنها
الاهتمام بالقرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفى r، وهذا من أجل بناء ركيزة أساسية في المجتمع الجزائري المسلم.( الإسلام ديننا )
ونشير
في هذا الصدد أن رجال الزوايا من القلائل الذين بقوا محافظين على مذهب
واحد وهو مذهب الإمام مالك عليه رحمة الله، وقد ذكرت بعض الدراسات أن
المغرب العربي عرف استقرارا سياسيا طويلاً وهذا لأنه حافظ على المذهب
المالكي.
إنّ الوطن بكافة أركانه ومؤسساته وبرامجه وهياكله لن يصل إلى مرامه المنشودة إلا إذا ابتدأ سريان نفس هذه الروح ونفس هذه التوجهات ونحو الأهداف ذاتها..من القاعدة. وهذا ما تقوم به الزوايا من خلال نشاطاتها المختلفة،من خلال إعداد الفرد نفسياً وجسمياً وعاطفياً واجتماعياً، وذلك بواسطة تغذيته بالأسس السليمة للحياة والعمل فيالمجتمع وتزويده بالمهارات والمواقف الأساسية التي يحتاجها الفرد. وبذلك يستطيع الفرد أنيتعايش في مجتمعه عن طريق كسب الاحترام المجتمعي والاجتماعي له ولإمكاناته
. مقومات المواطنة الصالحة: - حب الوطن والانتماء له: تجذير الشعور بشرف الانتماء للوطن، والعمل من أجل رقيه وتقدمه، وحب العمل من أجل الوطن ودفع الضرر عنه، والحفاظ على مكتسباته، والمشاركة الفاعلة في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
- الارتباط بالدين باعتباره مكونا أساسيا.
- التعويد على الطهارة الأخلاقية وصيانة النفس والأهل والوطن من كل الأمراض الاجتماعية والأخلاقية الذميمة، وحثه على التحلي بأخلاقيات المسلم الواعي بأمور دينه ودنياه، وأن الله يجازي خيرا الساعي من أجل رفعة شأن الوطن.
- تعزيز الثقافة الوطنية بنقل المفاهيم الوطنية للطفل، وبث الوعي فيه بتاريخ الوطن وإنجازاته، وتثقيفه بالأهمية الجغرافية والاقتصادية للوطن.
- التعويد الطفل على احترام القانون والأنظمة التي تنظم شئون الوطن وتحافظ على حقوق المواطنين وتسير شئونهم.
- التربيته على حب الآخرين والإحسان لهم، وعلى الأخوة بين المواطنين، وحب السعي من أجل قضاء حاجات المواطنين لوجه الله تعالى والعمل من أجل متابعة مصالحهم وحل مشاكلهم ما أمكن ذلك.
- حب الوحدة الوطنية، وحب كل فئات المجتمع بمختلف انتماءاتهم، والابتعاد عن كل الإفرازات الفئوية والعرقية والطائفية البغيضة، مع التأكيد على الفرق بين الاختلاف المذهبي المحمود وبين التعصب الطائفي المذموم.
- حب المناسبات الوطنية الهادفة والمشاركة فيها والتفاعل معها، والمشاركة في نشاطات المؤسسات الأهلية وإسهاماتها في خدمة المجتمع بالمشاركة في الأسابيع التي تدل على تعاون المجتمع،
- حب التعاون مع أجهزة الدولة على الخير والصلاح، مع التأكيد على الابتعاد عن التعاون مع الفاسدين في الدولة من أفراد وأجهزة، من منطلق قول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
- الابتعاد عن المفاسد الإدارية والمالية ومقارعتها والسعي للقضاء عليها.
- حب الدفاع عن الوطن ضد كل معتد عليه، والدفاع عنه بالقلم واللسان والسلاح.
- العطف على المواطنين الضعفاء والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة. وغرس روح المبادرة للأعمال الخيرية، قال رسول الله (ص): "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
- غرس حب العمل التطوعي، وحب الانخراط في المؤسسات الأهلية الخادمة للوطن.