موضوع: خواطر حول سورة " الكهف " الثلاثاء 15 سبتمبر 2009, 01:39
وقفة مع سورة الكهف
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال عليه الصلاة والسلام ( من قرأ سورة الكهف كما نَزلت كانت له نورا يوم القيامة مِن مقامه إلى مكة ، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ، ثم خرج الدجال لم يُسَلّط عليه ، ومن توضأ ثم قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، كُتِب في رَقّ ثم طُبع بِطابع فلم يُكسر إلى يوم القيامة )عليه الصلاة والسلام (رواه الطبراني ، والحاكم وصححه . ورواه النسائي) وفي حديث آخر من رواية مسلم ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ إننا إذا تأملنا هذه السورة جيدا سنجد أنها قد إحتوت عليه الصلاة والسلام على الكثير من التوجهات الربانية، وتتمثل هذه التوجهات أساسا في:
01- التذكير بنعم الله عز وجل: من 01 إلى 08
فقد افتتحت السورة بقوله تعالى ( الحمد لله ) وفي هذا إشارة إلى النعم الجليلة التي تحيط بالانسان، هذه النعم كنعمة البصر ونعمة العقل ونعمة الوجود، الزوجة ،الأولاد، المال، نعمة الاسلام وأعظم بها من نعمة.. وإن عمر الانسان ليفنى قبل أن يتمكن من تعداد نعم الله عز وجل ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) ( الذي أنزل على عبده الكتاب ) وفي هذا إشارة إلى نعمة أخرى وهي نعمة الاسلام والهداية، فالله عز وجل أرسل الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الكتاب العظيم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، غير أنه وجد منهم الكفر والمعاندة، وكان ذلك يحزنه كثيرا ( فلعلك باخع نفسك على آثارهم .. ) ، كيف لا وهو أرسل إلى الناس كافة، وهذا يعنى أنه يجب أن يؤمنوا به عليه الصلاة والسلام ، والله عز وجل هنا يواسي ويخفف عنه.
02- الابتلاء والصبر عليه: من 07 إلى 31
وهنا يخبرنا الله عز وجل عن قصة الفتية الذين كانوا يجدون الاضطهاد والمحاربة من طرف الحاكم ، فقد كان هذا الحاكم مشركا ، وكان يحارب كل من لم يتبعه، فإما أن تكون على الكفر والشرك مثله، أو تختار التوحيد وعبادة الله عز وجل ، ولكن سيكون مصيرك هو القتل،فهؤلاء الفتية رفضوا أن يبدلوا دين التوحيد بعبادة الأصنام أو الكفر،وحتى يحموا دينهم لم يجدوا من حل إلا أن يفروا بدينهم إلى الكهف، وهناك وقع لهم من كرامات الله عز وجل الكثير، من النوم الطويل، وتقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، حراسة الكلب لهم، ابتعاد الشمس عنهم..ثم بعثهم الله عز وجل، وكان من أمرهم ما كان من إرسال أحدهم إلى السوق ليشتري لهم الطعام، وهم لا يعلمون أنهم كانوا نائمين ثلاثمئة عام، وانظر ما يقوله الدكتور محمد راتب النابلسي: قال العلماء : " وهذا أيضاً من الإعجاز العلمي في كتاب الله ، ثلاثمئة عام ميلادي تساوي بالضبط ثلاثمئة وتسع سنوات هجرية " ، فربنا عزَّ وجل أعطى المدة على التقويمين ، الشمسي ، والقمري
هذا بالشمسي ،
والسنة الشمسية هي مدة دورة الأرض حول الشمس في اثني عشر برجاً ، فالسنة الشمسية حقيقة ،
والشهر الشمسي حكمي . أما بالهجري فبالعكس ، الشهر القمري هو شهر حقيقي ، والسنة القمرية حكميه أي أنَّ السنة القمرية شهر ضرب 12 ، أما السنة الشمسية سنة تقسيم 12 .
على السنوات الميلادية.
ذلك على التقويم القمري ، وليسَ الهجري ، إذّ لم يَكُن وقتها تقويم هجري
03- الأخذ بالأسباب وشكر الله عز وجل: من 32 إلى 49
وهنا يورد لنا الله هز وجل قصة رجلين، كان أحدهما غنيا جدا، وكانت له جنتان.. لكنن كان له خلل في عقيدته ، أما الآخر فقد كان فقيرا ، لكنه كان موحدا بالله عز وجل. وقد كان الغني يظن أنه إنما جمع الأموال بذكائه وخبرته..ودخل جنته وهو ظالم لنفسه من حيث أنه أشرك أسباب النعم ، لأن الانسان مأمور بأخذ الأسباب، وهذا الرجل استغنى عنها، وظن أن ملكه سيبقى مستمرا، بل إنه أصبح يستهزئ ( ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا ) وهنا يتدخل الرجل الصالح الذي يعرف حقيقة الايمان وأن النعم إنما من عند الله عز وجل، والانسان إنما مأمور بأخذ الأسباب ( ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله.. ) وكانت نتيجة تعنت الغني وإنكاره للأسباب هي:
خسر كل ما كان يملكه من مال وزرع، عندها ندم على ما كان منه ، وما كان منتصرا
04- الامتحان : من 50 إلى 59
وفي هذه الآيات نرى أن الله عز وجل قد أمر الملائكة المتواجدين معهم بالسجود لسيدنا آدم عليه السلام، سجود تعظيم لا عبادة ، فسجد الملائكة جميعا أم إبليس عليه لعنة الله فقد قاس أمر الله عز جل بعقله، فرأى أن جنسه المخلوق من نار خير من جنس آدم المخلوق من طين فرفض السجود ، وهنا يقول لنا ربنا ( أفتتخذونه وذريته أوليآء من دوني وهم لكم عدو.. ) فالشيطان عدو لنا ولا يجب أن نتخذه وليا
أي هؤلاء الشياطين لم يكونوا موجودين يوم خلقت السموات والأرض، بل لم أكن محتاجا إلى الاستعانة بهم في أي شيء، ويوم القيامة يقول الله عز وجل للمشركين أين هؤلاء الذين زعمتم أنهم شركاء لي، ( فدعوهم فلم يستجيبوا لهم.. ) لتستمر الآيات التالية في تقريع المشركين والذين لم يؤمنوا بما جاءهم من الهدى..
05- بين النبوة والولاية: من 60 إلى 82
سئل سيدنا موسى عليه السلام ( هل تعلم أحدا أعلم منك، قال موسى: لا ) فأوحى الله إليه أنه يوجد عبد صالح اسمه الخضر هو أعلم منك. وسيدنا الخضر عند كثير من العلماء والمحققين هو ولي صالح وليس بنبي. وانظروا إلى أدب الخطاب ( هل اتبعك على أن تعلمنى مما علمت منه رشدا.. ) لكن سيدنا الخضر كان يعلم بما علمه الله أن سيدنا موسى لن يصبر، لماذا؟ لأن سيدنا موسى عليه السلام نبي وأي فعل سيقوم به سيدنا الخضر فإن سيدنا موسى سيزنه بميزان الشرع الذي عنده، في حين أن أفعال سيدنا الخضر لها من عالم الحقيقة ما يتناقض مع ظاهر الشرع ( قال إنك لن تستطيع معي صبرا.. ) لكن سيدنا موسى عليه السلام أصر على مرافقته، فاشترط عليه سيدنا الخضر ألا يسأله عن أي شيء يقوم به حتى يقوم هو بنفسه ويخبره به، ثم كان منهما ما كان من خرق السفينة ومن قتل الغلام ومن بناء الجدار، وفي كل مسألة من هذه المسائل كنا نرى أن سيدنا موسى عليه السلام كان يعترض على سيدنا الخضر ،لأنه كما قال له سيدنا الخضر ( وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا..) فعلمك الشرعي لا يسمح لك بتفسير أعمالي ، ومزاجك العصبي لا يسمح لك بالصبر . ورد في بعض الكتب عن الشيخ محي الدين أن سيدنا الخضر قد أعد لهذا النبي العظيم ألف مسألة ، فلما كانت الثالثة فقد سيدنا موسى صبره ، عندها قال عليه الصلاة والسلام ( قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا ) (البخاري ومسلم عن أبي بن كعب)
وهنا ثلاث مواقف:
الموقف الأول: سيدنا الخضر خرق السفينة ( علم الحقيقة )
سيدنا موسى عليه السلام ( علم الشريعة )
الموقف الثاني: سيدنا الخضر قتل الغلام ( علم الحقيقة )
سيدنا موسى عليه السلام ( علم الشريعة )
الموقف الثالث: سيدنا الخضر بناء الجدار ( علم الحقيقة )
سيدنا موسى عليه السلام ( علم الشريعة )
06- قصة ذي القرنين: من 83 إلى 110
وقد اختلفوا فيه من حيث شخصه أو سبب تسميته بذي القرنين، لكن المهم أنه عبد صالح مكّنَ الله له في الأرض فقد استطاع أن يجوب مشارق الأرض ومغاربها ( وآتيناه من كل شيء سببا.. ) فقد كان يتبع أسباب كل شيء ويأخذ بالأسباب، ليقص علينا بعدها مسيره بجيشه نحو مغرب الشمس إي باتجاه المغرب، وقد أعطاه الله مطلق التصرف في القوم ( إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ) فاختار العدل، ليتجه بعدها نحو المشرق أين كانت البلاد التي وصلها منبسطة لا جبال ولا تضاريس ( وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا.. ) ، ومن ثم حتى إذا بلغ بين السدّين ( أي مكان بين جبلين ) وجد أناس متخلفين وبعيدين عن الحضارة وقيل أن لهم لغة غير مفهومة، فشكا إليه القوم ياجوج وماجوج بأنهم مفسدون وطلبوا منه أن يبني حاجزا بينهم على أن يعطوه المال لكنه أبى لأن الله أغناه بالحكم والقوة.. لكن بناء الحاجز يحتاج إلى جهد كبير ( فأعينوني بقوة.. ) فبنا لهم سدا من الحديد والنحاس الذائب ، وكان السد مرتفعا وأملسا (فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ ) وكان متينا جدا (وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) لكنه سيبقى كذلك إلى حين وعندها سيكون الهرج والقتل.. وبعدها سينفخ في الصور أين ستكون جهنم في انتظار الكافرين. أما الذين آمنوا بربهم وعملوا الصالحات فلهم الفردوس وجنات النعيم.
قال بعض العلماء : إنَّ في هذه الآية الأخيرة تلخيصاً لِكتاب الله كله ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد ) ماذا يوحى إليّ ؟ يوحى إليّ هذا الكتاب ، التوحيد هو الحقيقة الأولى والأخيرة في الدين ، قال عز وجل ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون ) قال العلماء : " نهاية العلم التوحيد " ، أن تقول : لا إله إلا الله ،( أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِد ) ونهاية العمل الإحسان ( فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا)، الإحسان المبني على علم يؤدي بك إلى الاتصال بالله عزوجل ، الذي هو قمة السعادة ،وهذه أمور أساسية في الدين ، فمهما تعلمت إن لم توحد فأنت جاهل ، وإذا عرفت أنه لا إله إلا الله وصلت إلى نهاية العلم.
المرجع: تفسير القرآن للنابلسي
وفي الأخير أرجو أن أكون قد وفقت في طرح الموضوع
هبة الرحمن عضو نشيط
العمر : 38تاريخ التسجيل : 11/09/2009المساهمات : 102نقاط : 167
موضوع: رد: خواطر حول سورة " الكهف " الخميس 12 نوفمبر 2009, 00:40